فصل: فائدة: (نكاح الكتابيات):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الخازن:

وقوله تعالى: {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} يعني وأحل لكم المحصنات من أهل الكتاب اليهود والنصارى.
قال ابن عباس: يعني الحرائر من أهل الكتاب.
وقال الحسن والشعبي والنخعي والضحاك: يريد العفائف من أهل الكتاب فعلى قول ابن عباس: لا يجوز التزوج بالأمة الكتابية وهو مذهب الشافعي قال: لأنه اجتمع في حقها نوعان من النقصان، الكفر، والرق.
وعلى قول الحسن ومن وافقه، يجوز التزويج بالأمة الكتابية وهو مذهب أبي حنيفة لعموم هذه الآية.
واختلف العلماء في حكم هذه المسألة فذهب جمهور الفقهاء إلى جواز التزويج بالذميات من اليهود والنصارى.
روي أن عثمان بن عفان تزوج نائلة بنت الفرافصة على نسائه وهي نصرانية وأن طلحة بن عبيد الله تزوج يهودية وروي عن ابن عمر كراهية ذلك ويحتج بقوله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} وكان يقول: لا أعلم شركًا أعظم من قولها إن ربها عيسى وأجاب الجمهور عن قوله ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن بأنه عام خص بهذه الآية فأباح الله تعالى المحصنات من أهل الكتاب وحرم من سواهن من أهل الشرك وقال سعيد بن المسيب والحسن: يجوز التزويج بالذميات والحربيات من أهل الكتاب لعموم قوله تعالى: {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} وأجاب جمهور العلماء بأن ذلك مخصوص بالذميات دون الحربيات من أهل الكتاب.
الجزية عن يد وهم صاغرون والمراد بهم أهل الذمة دون أهل الحرب من أهل الكتاب. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{والمحصنات مِنَ المؤمنات والمحصنات مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ}.
عُطف {والمحصنات من المؤمنات} على {وطعام الذين أوتوا الكتاب حلّ لكم} عطفَ المفرد على المفرد.
ولم يعرّج المفسّرون على بيان المناسبة لذكر حِلّ المحصنات من المؤمناتتِ في أثناء إباحة طعام أهل الكتاب، وإباحةِ تزوّج نسائهم.
وعندي: أنّه إيماء إلى أنَّهنّ أولى بالمؤمنين من محصنات أهل الكتاب، والمقصودُ هو حكم المحصنات من الذين أوتوا الكتاب فإنّ هذه الآية جاءت لإباجة التزوّج بالكتابيات.
فقوله: {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب} عطف على {وطعام الذين أوتُوا الكتاب حلّ لكم}.
فالتقدير: والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب حِلّ لكم.
والمُحصنات: النسوة الّلاءِ أحْصَنَهُنّ ما أحْصَنَهُنّ، أي منعهنّ عن الخنا أو عن الريب، فأطلق الإحصان: على المعصومات بعصمة الأزواج كما في قوله تعالى في سورة النساء (24) عطفًا على المحرّمات: {والمحصنات من النساء}؛ وعلى المسلمات لأنّ الإسلام وَزَعَهن عن الخنا، قال الشاعر:
ويصدّهن عن الخنا الإسلام

وأطلق على الحرائر، لأنّ الحرائر يترفّعن عن الخنا من عهد الجاهلية.
ولا يصلح من هذه المعاني هنا الأوّل، إذ لا يحلّ تزوّج ذات الزوج، ولا الثاني لقوله: {من المؤمنات} الذي هو ظاهر في أنّهنّ بعض المؤمنات فتعيّن معنى الحرية، ففسّرها مالك بالحرائر، ولذلك منع نكاح الحرّ الأمةَ إلاّ إذا خشي العنت ولم يجد للحرائر طَوْلا، وجوّز ذلك للعبد، وكأنّه جعل الخطاب هنا للأحرار بالقرينة وبقرينة آية النساء (25) {ومن لم يستطع منكم طولًا أن ينكح المحصنات المؤمنات} وهو تفسير بيِّن ملتئم.
وأصل ذلك لعمر بن الخطاب ومجاهد.
ومن العلماء من فسّر المحصنات هنا بالعفائف، ونقل عن الشعبي وغيره، فمنعوا تزوّج غير العفيفة من النساء لرقّة دينها وسوء خلقها.
وكذلك القول في تفسير قوله: {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} أي الحرائر عند مالك، ولذلك منع نكاح إماء أهل الكتاب مطلقًا للحرّ والعبد.
والذين فسّروا المحصنات بالعفائف منعوا هنا ما منعوا هناك.
وشمل أهلُ الكتاب: الذمّييّن، والمعاهدين، وأهل الحرب، وهو ظاهر، إلاّ أنّ مالكًا كره نكاح النساء الحربيّات، وعن ابن عبّاس: تخصيص الآية بغير نساء أهل الحرب، فمنع نكاح الحربيات.
ولم يذكروا دليله. اهـ.

.قال الفخر:

إن قلنا: المراد بالمحصنات: الحرائر، لم تدخل الأمة الكتابية تحت الآية، وإن قلنا: المراد بالمحصنات: العفائف دخلت، وعلى هذا البحث وقع الخلاف بين الشافعي وأبي حنيفة فعند الشافعي لا يجوز التزوج بالأمة الكاتبية.
قال: لأنه اجتمع في حقها نوعان من النقصان: الكفر والرق، وعند أبي حنيفة رحمه الله يجوز، وتمسك بهذه الآية بناء على أن المراد بالمحصنات العفائف وقد سبق الكلام فيه. اهـ.
قال الفخر:
قال سعيد بن المسيب والحسن {والمحصنات مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب} يدخل فيه الذميات والحربيات، فيجوز التزوج بكلهن، وأكثر الفقهاء على أن ذلك مخصوص بالذمية فقط، وهذا قول ابن عباس، فإنه قال: من نساء أهل الكتاب من يحل لنا، ومنهن من لا يحل لنا، وقرأ {قاتلوا الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالله} إلى قوله: {حتى يُعْطُواْ الجزية عَن يَدٍ} [التوبة: 29] فمن أعطى الجزية حل، ومن لم يعط لم يحل. اهـ.

.قال ابن جزي:

{والمحصنات} عطف على الطعام المحلل، وقد تقدّم أن الإحصان له أربعة معان: الإسلام، والتزوج والعفة، والحرية. فأما الإسلام فلا يصح هنا لقوله من الذين أوتوا الكتاب، وأما التزوج فلا يصح أيضًا لأن ذات الزوج لا تحل لغيره، ويحتمل هنا العفة والحرية، فمن حمله على العفة أجاز نكاح المرأة الكتابية سواء كانت حرة أو أمة، ومن حمله على الحرية أجاز نكاح الكتابية الحرة ومنع الأمة، وهو مذهب مالك، ولا تعارض بين هذه الآية. وبين قوله: ولا تنكحوا المشركات لأنه هذه في الكتابيات، والأخرى في المشركات، وقد جعل بعض الناس هذه ناسخة لتلك، وقيل: بالعكس، وقد تقدم معنى. اهـ.

.قال الفخر:

اتفقوا على أن المجوس قد سن بهم سنة أهل الكتاب في أخذ الجزية منهم دون أكل ذبائحهم ونكاح نسائهم، وروي عن ابن المسيب أنه قال: إذا كان المسلم مريضًا فأمر المجوسي أن يذكر الله ويذبح فلا بأس، وقال أبو ثور: وإن أمرة بذلك في الصحة فلا بأس. اهـ.

.فائدة: [نكاح الكتابيات]:

قال الفخر:
قال الكثير من الفقهاء: إنما يحل نكاح الكتابية التي دانت بالتوراة والإنجيل قبل نزول القرآن، قالوا: والدليل عليه قوله: {والمحصنات مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ} فقوله: {مِن قَبْلِكُمْ} يدل على أن من دان الكتاب بعد نزول الفرقان خرج عن حكم الكتاب. اهـ.
وقال الفخر:
قوله تعالى: {إذا أتيتموهن أجورهن}
تقييد التحليل بإيتاء الأجور يدل على تأكد وجوبها وأن من تزوج امرأة وعزم على أن لا يعطيها صداقها كان في صورة الزاني، وتسمية المهر بالأجر يدل على أن الصداق لا يتقدر، كما أن أقل الأجر لا يتقدر في الإجارات. اهـ.

.قال ابن عاشور:

والأجور: المهور، وسمَّيت هنا (أجورًا) مجازًا في معنى الأعْواض عن المنافع الحاصلة من آثار عُقدة النكاح، على وجه الاستعارة أوْ المجاز المرسل.
والمَهْر شِعار متقادم في البشر للتفرقة بين النكاح وبين المخادنة.
ولو كانت المهور أجورًا حقيقة لوجب تحْديد مدّة الانتفاع ومقدارِه وذلك مِمَّا تنزّه عنه عقدة النكاح. اهـ.

.قال الفخر:

قال الشعبي: الزنا ضربان: السفاح وهو الزنا على سبيل الإعلان، واتخاذ الخدن وهو الزنا في السر، والله تعالى حرّمهما في هذه الآية وأباح التمتع بالمرأة على جهة الإحصان وهو التزوج. اهـ.
وقال الفخر:
في تعلق هذه الآية بما قبلها وجهان:
الأول: أن المقصود منه الترغيب فيما تقدم من التكاليف والأحكام، يعني ومن يكفر بشرائع الله وبتكاليفه فقد خاب وخسر في الدنيا والآخرة، والثاني: قال القفال: المعنى أن أهل الكتاب وإن حصلت لهم في الدنيا فضيلة المناكحة وإباحة الذبائح في الدنيا إلاّ أن ذلك لا يفرق بينهم وبين المشركين في أحوال الآخرة وفي الثواب والعقاب، بل كل من كفر بالله فقد حبط عمله في الدنيا ولم يصل إلى شيء من السعادات في الآخرة ألبتة. اهـ.
وقال الفخر:
قوله: {وَمَن يَكْفُرْ بالإيمان فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} فيه إشكال، وهو أن الكفر إنما يعقل بالله ورسوله، فأما الكفر بالإيمان فهو محال، فلهذا السبب اختلف المفسرون على وجوه: الأول: قال ابن عباس ومجاهد {وَمَن يَكْفُرْ بالإيمان} أي ومن يكفر بالله، إنما حسن هذا المجاز لأنه تعالى رب الإيمان، ورب الشيء قد يسمى باسم ذلك الشيء على سبيل المجاز، والثاني: قال الكلبي {وَمَن يَكْفُرْ بالإيمان} أي بشهادة أن لا إله إلاّ الله، فجعل كلمة التوحيد إيمانًا، فإن الإيمان بها لما كان واجبًا كان الإيمان من لوازمها بحسب أمر الشرع، وإطلاق اسم الشيء على لازمه مجاز مشهور، والثالث: قال قتادة: إن ناسًا من المسلمين قالوا: كيف نتزوج نساءهم مع كونهم على غير ديننا!فأنزل الله تعالى هذه الآية أي، ومن يكفر بما نزل في القرآن فهو كذا وكذا، فسمى القرآن إيمانًا لأنه هو المشتمل على بيان كل ما لابد منه في الإيمان. اهـ.
وقال الفخر:
القائلون بالإحباط قالوا: المراد بقوله: {وَمَن يَكْفُرْ بالإيمان فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} أي عقاب كفره يزيل ما كان حاصلًا له من ثواب إيمانه، والذين ينكرون القول بالاحباط قالوا: معناه أن عمله الذي أتى به بعد ذلك الإيمان فقد هلك وضاع؛ فإنه إنما يأتي بتلك الأعمال بعد الإيمان لاعتقاده أنها خير من الإيمان، فإذا لم يكن الأمر كذلك بل كان ضائعًا باطلًا كانت تلك الأعمال باطلة في أنفسها، فهذا هو المراد من قوله: {فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ}. اهـ.
وقال الفخر:
قوله تعالى: {وَهُوَ في الاخرة مِنَ الخاسرين} مشروط بشرط غير مذكور في الآية، وهو أن يموت على ذلك الكفر؛ إذ لو تاب عن الكفر لم يكن في الآخرة من الخاسرين، والدليل على أنه لابد من هذا الشرط قوله تعالى: {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ} [البقرة: 217] الآية. اهـ.